التنوع اللّغوي واللّهجات في الجزائر
دخلت اللّغة العربية الجزائرَ بقدوم الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا (الذي قاده موسى ابن نصير). كانت قبلها الأمازيغية اللغة السائدة. فلما دخل البربر الإسلام واختلطوا بالناطقين بالعربية لغة الدين والديوان (الحكم)، نالها شيء من التغيير - كما في لهجات أخرى كثيرة - لأن ألسنة الأمازيغ لم تتعود على الأصوات العربية والنطق بها، كما أن العرب لم تتعود النطق بالأمازيغية، مما أدى إلى تأثر اللغة العربية في هذه المنطقة (وفي المناطق الأخرى) باللغة الأصلية، فتبنت كثيرا من كلماتها وحتى من قواعدها النحوية.
نسبة استحالة (تغيّر) اللغة العربية في الجزائر تعادل نظيرتها في جميع أنحاء الوطن العربي. وتُقاس (في علم اللسانيات) بالابتعاد الزمني عن المورد (اللغة الأم) أكثر بكثير مما تقاس بالاحتكاك مع لغة أخرى· ويقول ابن جني: «اعلم أن العرب تختلف أحوالهم في تلقي الواحد منها لغة غيره، فمنهم من يحف ويسرع فيقول ما يسمع، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتة، ومنهم من إذا طال تكرار لغة غيره عليه ألصقت به ووجدت في كلامه»[1] وهذا ما حدث في لغة الجزائري من تأثير وتأثر بين العرب والبربر.
وقد شهدت الجزائر في عصور ما قبل التاريخ، عدة غزاة، من، الفينيقيين ووندال، وبيزنطيين، وكان لهذا الأثر على سكان الجزائر، كما شهدت وجود رومان (وخير دليل على ذلك المعالم والآثار الموجودة إلى يومنا هذا، منها تيمقاد - وتعني في الأمازيغية القديمة «المدينة»[2] - وأوراس). وقد استمرت اللهجات البربرية (القبائلية صغرى وكبرى والشاوية والترقية والزناتية والميزابية) جزءًا من شخصية الجزائر ما تزال تحتفظ بألفاظ ودلالات تعود إلى ما قبل الميلاد.
يقول المقدسي الرحالة العربي (توفي 380هـ) عندما نزل بالمغرب في القرن الرابع الهجري: «وفي المغرب الأفريقي عامة لغتهم عربية غير أنها منغلقة مخالفة لما ذكرنا في الأقاليم. ولهم لسان آخر يقارب الرومي»[3] يذكر لنا المقدسي لهجة شمال إفريقيا والأندلس، أّنها لغة منغلقة مخالفة لبقية الأقاليم التي زارها، ونعتها بأنها ركيكة وهي تقارب لسان الروم، ولم يفهم لسان البربر.
وبصم الاستعمار الإسباني في سواحل الغرب الجزائري أثرًا واضحًا في اللهجة الجزائرية، ومن بعده الاستعمار الفرنسي للجزائر. ورغم الصراع والمقاومة لرد سياسة فرنسا في محو الشخصية من تقاليد ودين ولغة إلا أّنه نجح على مدى عدة أجيال في جعل الجزائريين يتعاملون في حياتهم اليومية باللّغة الفرنسية، وذلك لأسباب عديدة، منها:
جُعل التعليم مقتصرا على الفرنسية وحدها طوال مدة الاستعمار
عدم وجود نهضة حديثة كما حدث في المشرق.
فسادت بذلك اللّهجات المحّلية مع الفرنسية كلغة مشتركة وكانت هذه سياسة فرنسا اللّغوية. ولذلك استمت اللّهجة الجزائرية بالدخيل الفرنسي، واستعمال كلمات أجنبية من بقايا الفرنسية التي ما زالت حية في الدارجة. وشملت عملية التأثر اللّغة الفرنسية أيضًا وكثيرا من اللّغات العالمية التي تأثرت بالسامية، فقد قدم « بيار جيرو »[4] قائمة طويلة من كلمات عربية دخلت الفرنسية في عصور مختلفة. مع إقامة الدليل العلمي في المعاجم الفرنسية. كما أن للتجاور المكاني دوره في التبادل الثقافي بين الشعوب المتجاورة، وما يتركه ذلك من آثار في لغاتهم فلا تلبث أن تصبح ظواهر لغوية تميز إقليما تمييزا لغويا عن غيره، وتأخذ دور الاقتراض اللّغوي[5] اّلذي يتجاوز الألفاظ إلى الصيغ والتراكيب. وبهذا وصف سوسير اللّهجة الواحدة بالتميز والتفرد حيث يقول: "ولكل لغة لهجاتها وليس لواحدة منها السيادة على الأخرىات.(وهي في العادة متفرقة مختلفة.
[عدل] المستوى اللّغوي في اللّهجة الجزائرية
إن الظواهر اللّهجية وعلاقته بالفصحى، وبالدخيل الفرنسي أو الإسباني أو التركي وغيره باعتبار أن العامية هي لغة قائمة بذاتها؛ بنظامها الصوتي، والصرفي والتركيبي والدلالي وقدرتها على التعبير.
[عدل] أ - المستوى الصوتي
[عدل] الإبدال
يتجلى الإبدال في الاختلافات التي تبدو من تغير الأصوات، فتختلف بنية الكلمة ومعناها. والإبدال «وهو جعل حرف مكان حرف آخر مع إبقاء سائر أحرف الكلمة» [6]، ويشترط فيه أن يتقارب الصوتان مخرجا أو صفة[7] أي في المخرج أو يتحد في الصفة ماعدا الأطباق (سراط - صراط) وهو ظاهرة تكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين اللّغات.
الإبدال بين السين والصاد والزاي والصاد، وبين القاف والكاف والجيم غير المعطشة. أما الجيم المعطشة فهي تنطق من وسط اللّسان بينه وبين وسط الحنك[8]. وهناك جيم بين الشدة والرخاوة، والجيم الخالصة الرخاوة وهي المعطشة وكلاهما من وسط الحلق وهي كثيرة الاستعمال لهجة في الفرنسي (J).
إبدال الهمزة ياء، ويسمى في اللّغة بـ«الهمز والهت والضغط والنبر»[9]. وإبدال الهمزة عينا والعين همزة، وهي ما تسمى بالعثعنة؛ عندما تبدل الهمزة عينا: قرآن يقال في عاميتنا "قرعان"؛ آذان - عذان. وحرف العين هو حرف حلقي، متوسط بين الشدة والرخاوة عند سيبويه، وهو صوت حلقي احتكاكي مجهور عند المحدثين[10]. كما تنطق العين الهمزة خاصة في الألقاب تماثلا مع اللّغة الفرنسية.
إبدال الهمزة واوا أو فاء والميمباء، والذال والظاء والضاد دالا: ومثال على ذلك: هذا - هدا، بيض - بيد، ظلمة - دلمة. وقع الإبدال بينهما من الناحية الصوتية؛ فالدال صوت سني انفجاري، والذال تنطق بين الثنايا، وهو احتكاكي مجهور، ويشتركان في الانفجار[10]. كما أن الظاء تخرج من الثنايا وهو حرف إطباق؛ أي تقعر اللّسان إلى أسفل في مقابل الحنك الأعلى فيحدث رنين أو تفخيم[10]، والضاد إطباقي أيضا، وتكاد الذال لا تنطق في عاميتنا مع الظاء والضاد، فكأننا ننطق الدال مفخمة في ضرب وضوء.
إبدال الثاء تاء، والقافهمزة؛ والكاف شينا وتسمى بالشنشنة حيث جعل الكاف شينا أو الهاء شينا، وهنا يتعلق الأمر بالوظيفة النحوية في تركيب جملة النفي وهي كثيرة في اللهجة الخليجية وتستعمل للتفريق بين المذكر والمؤنث فتبدل الكاف شينا؛ كما تقلب الواو ياء أو العكس وهو تعاقب الواو مع الياء وتسمى بالمعاقبة أو الضمة مع الكسرة بالنسبة للصوائت. كما تبدل لام التعريف ميما وتسمى بالطمطانية (أمبارح أي البارحة)، وتبدل الشين سينا.
[عدل] الصوائت الصوامت
أصوات اللغة العربية نوعان، صامتة وصائتة وهي تختلف نطقا وسمعا وهي غالبا ما يصيب التغيير كلا النوعين. أمّا الصامت فتتغير بإحلال صوت محل صوت آخر يشبهه في المخرج، كنطق الذال دالا في لهجتنا، وكثير من اللّهجات العربية. وأما الصوائت فتتغير بتحويل الصائت القصير إلى صائت طويل أو العكس أو إبدال الفتحة بكسرة وهذا يندرج ضمن الإمالة.
الصوائت:
إن نطق الصوائت يقوم على شكل ممر الهواء المفتوح فيما فوق الحنجرة، فالصائت هو صوت مجهور لا يسمع له انفجار أو احتكاك[10]، والصوائت هي الكسر والضم والفتح وهي قصيرة، والواو والياء والألف وهي طويلة وهي أصوات مد ولين أيضا، الكسر والضم؛ كسر حرف المضارعة. وفي المقاطع الممدودة في بعض الأفعال عند التصريف.
[عدل] ب- المستوى الصرفي
الأفعال: في الفعل الثلاثي المجرد: يكتب - يشرب، بالكسر والفتح، وبالضم في الأمر والماضي «رحت» - «روح» هذا بالنسبة للمبني للمعلوم، أما صيغة المبني للمجهول فلا توجد في لهجتنا. في التصريف لا توجد صيغة المثنى، كما أن الضمير "أنتما" يستعمل مع الفعل كالآتي: أنتما كتبوا وليس "أكتبا" للمثنى والجمع المذكر والمؤنث.
[عدل] ج - المستوى النحوي
المتتبع للمستوى النحوي في اللّهجات يجد صعوبة وذلك لوجود اختلافات بينها، ولكّنها اختلافات قليلة وخاصة في بناء الجملة، ولهذا لا يمكن أن نطلق كلمة نحو على هذه اللّهجة أو أخرى، إلا ما ورد من أبواب النحو المعروفة بصورة عامة. إن أغلب ما ورد في اللهجة الجزائرية لا يخرج عن الكون العام للقاعدة النحوية العربية، فليس ثمة خصائص لّلهجة واضحة، ونلمس في تراكيب لهجتنا في غرب الجزائر أّنها تشترك مع معظم مناطق الجزائر، وحتى بعض لهجات العربية.
[عدل] د - المستوى الدلالي
يتصل هذا المستوى بالألفاظ ودلالاتها، وتنوع معانيها من منطقة لأخرى، بل حّتى في المنطقة الواحدة، وقد نشأ عن هذا التنوع المشترك والمتضاد والترادف وعرف ذلك قديما في لغات القبائل، كما تتصف بعض الألفاظ بالانتقال أو المجاز في معناها تخصيصا أو اتساعا. ومن ألفاظ العامية الجزائرية ما نجد أصوله عربية فصحى، أو من الدخيل إسباني أو فرنسي أو تركي، أو غيرها من اللغات. وقد حصرنا بعض من هذه الألفاظ بين أسماء وأفعال وصفات واّلتي شاعت على لسان الجزائري في منطقة الغرب خاصة وقد تكون مشتركة في كل مناطق الجزائر وهناك عدد لا حصر له من الدخيل في لهجتنا إلى درجة أن أهل المشرق يعتبرون لهجتنا فرنسية أكثر منها عربية لشدة ورود هذه الكلمات في تكلمات العامية. فلهجتنا جزء من الفصحى وإن دخلت عليها أصول لهجية ولغوية قديمة أو حديثة، فهي تشكل جانبا جديرا بالنظر والدراسة.
[عدل] تحريفات أخرى في بنية اللهجة الجزائرية
في صيغ الأفعال مثل (دخل، يدخل وخرج، يخرج وسمع، يسمع) وهذا كله بتسكين الحرف الأخير وفتح العين في المضارع بدل ضمها.
حذف نون الرفع في مثل (يدخلون، يخرجون، يأكلون ويشربون) فهم يقولوا يدخلوا يخرجوا ياكلوا.(يشربوا مع فتح الفاء وتسكين العين. وإن كان هذا الاستعمال قد ثبت في كلام العرب[9] تسهيل الهمز وهذا في مثل قولهم (جيت، مومن، بير، قرا...).
في اسم الفاعل: يأتون باسم الفاعل من المعتل على الأصل ودون إبدال ففي باع يقولون بايع بدل بائع وفي سال سايل بدل سائل وفي صام صايم بدل صائم وكلها اشتقا قات صحيحة الأصل. كما نراهم يدخلون عليه نون الوقاية. ومعلوم أن هذه النون تدخل في العربية لتقي الفعل من الكسر نقول: سامحني خاصمني لكنهم يقولون مسامحني، مخاصمني. والسبب كما هو ظاهر أنهم لما سكنوا (اللام) التقى ساكنان ففرقوا بينهم بهذه النون. وقد ذكر ابن هشام[10] أنه يجوز أن تلحق هذه النون اسم الفاعل أيضا تشبيها له بالفعل كما في قول الشاعر: «فما أدري وكل الظن ظني أمسل مني إلى قومي شراحي» أي «شراحيل».
في الأسماء الخمسة: لا تلتزم العامة هنا بقاعدة هذه الأسماء بل تأتي بها مرفوعة في كل الحالات مثل: (مشى خوه، ضربت خوه، كتاب خوه).
في أسماء الإشارة: يبدلون الذال دالا يقولون داك الرجل وقد يلحقون الهاء أيضا هداك الرجل.
في الاسم الموصول: تعوض الأسماء الموصولة (الذي، التي اللذان، اللتان، الذين، اللاتي وغيرها) بلفظ (اللي). وحينما ننظر إلى تركيبة هذا اللفظ نجده يأخذ القسم الأول من تلك الأسماء (ال) بالإضافة إلى الحرف الأخير أحيانا. وقال الكوفيون أن: الألف واللام قد تقام مقام (الذي) لكثرة الاستعمال طلبا للتخفيف قال الفرزدق: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
[عدل] أمثلة عن المفردات الجزائرية
انقر «وسع» على اليسار.
يهدر : يتكلم (المهذار هو كثير الكلام).[11]
الهدرة : الكلام.
بَركا : توقف (بمعنى لقد حصلت البركة ولا داعي للإضافة).
بزَّاف : كثير (من أصل كلمة بالجزاف وأبدلت الجيم ياءا وكثير من الكلمات الجزائرية كالمسيد ومعناها المسجد).
واش الدعوة : معناه وأي شيء كيف الأحوال.
صحا/صحيتو : شكرا (و هي اختصار لعبارة «الله يعطيك الصحة» أي الدعاء للشخص من أجل شكره).
وجع/سْطَرْ: ألم/وجع.
وينتا/وقتاش/وكتا: في أي وقت.
اللابه/منقبيلات، بكري شوية، قبيلة : منذ قليل.
ضروك، درك، تو : هي اختصار هذا الوقت ومهناها الآن.
وحد الشوية/شوية هكة : بعد قليل.
خطرة : مرة.
واحد الخطرة : ذات يوم.
برك : حصلت البركة فقط.
بصح : لكن (تفيد كلمة بصح معنا كلمة لكن، عند الشرح، وتفيد أيضا كلمة صحيح. ويمكن أن يكون معناها استفهاميا عند قول بصاح «منك بالصح»؟ وتعني «هل هذا صحيح؟»).
وشِنهي/واشِيا/واشِ/واشِتا: وأي شيء هو ماذا.
وين: أين.
هنايا، هنا: هنا.
لهيه: هنالك.
هاذايا: هذا.
هاذاك: ذلك.
هاذي: هذه.
هاذيك: تلك.
هاذو: هؤلاء.
شريكي: صديقي.
حنوني: صديقي الحميم.
هاذوك: أولائك.
صاحبي: صديقي.
ما كالاه: ما كان له داع، أي لا داعي.
اقعد: اجلس.
يزي/اقعد علينا: يزي أصلها يجزي، أي توقف عن فعل هذا.
واش راك لا باس: كيف حالك هل انت بخير (لا بأس)
في لامان، تبقي علي خير: الي اللقاء (في الأمان)
واش بيك: ما بك (و أي شيء بك)
صحْ: صحيح.
صَحا بفتح الحاء مع المد: أهلاً
ما كانش منها: تعبير فيه معني عدم التصديق، أي غير ممكن أو لا اصدق (ما كان شيء منها).
صار\صرا: حدث. مثال نقول واش صرالك بمعني ماذا حدث لك
وليت..صرت
[عدل] مصادر
^ ابن جني: الخصائص، ج 1، تح. محمد علي النجار، دار الكتب، القاهرة، ص 383
^ ص 11، - بوساحة محمد: أصول أقدم اللّغات في أسماء أماكن الجزائر، دار هومة، ج 1
^ ص 2003 - المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ج 7
^ عبد الصابور شاهين: دراسات لغوية، مكتبة شباب، القاهرة 1978، ص 279
^ محمود أحمد نحلة: آفات جديدة في البحث اللّغوي المعاصر، ص 136
^ ابن جني: الخصائص، ج 1، ص 265
^ عبد الغفار حامد هلال: لّلهجات العربية، ص 103
^ سيبويه: الكتاب، ج 4، ص 433
↑ أ ب عبد القادر عبد الجليل: البنية اللّغوية في اللّهجة الباهلية، دار صفاد، الأردن 1997، ص 57
↑ أ ب ت ث ج حلمي خليل: دراسات في اللّسانيات التطبيقية، دار المعرفة الجامعية، 2002، ص 244 حتى 249
^ إبراهيم السمرائي: درس تاريخي في العربية المحلية، عالم الفكر، القاهرة 2000، ص 21- يهدر : يتكلم(المهذار هو كثير الكلام).
[عدل] مراجع
أنطوان صباح: دراسات في اللّغة العربية الفصحى، دار الفكر اللبناني، بيروت 1995، ص 76،
محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللّغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، مصر 2002 ص 125
ابن منظور: لسان العرب، ج 3، بيروت 1956، ص 183
عبد الغفار حامد الهلالي: اللّهجات العربية نشأة وتطورا، دار الفكر العربي، القاهرة 1998، ص 27 و 26
إبراهيم السمرائي: التطور اللّغوي التاريخي، دار الأندلس، ط 3، بيروت 1983، ص 34
دخلت اللّغة العربية الجزائرَ بقدوم الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا (الذي قاده موسى ابن نصير). كانت قبلها الأمازيغية اللغة السائدة. فلما دخل البربر الإسلام واختلطوا بالناطقين بالعربية لغة الدين والديوان (الحكم)، نالها شيء من التغيير - كما في لهجات أخرى كثيرة - لأن ألسنة الأمازيغ لم تتعود على الأصوات العربية والنطق بها، كما أن العرب لم تتعود النطق بالأمازيغية، مما أدى إلى تأثر اللغة العربية في هذه المنطقة (وفي المناطق الأخرى) باللغة الأصلية، فتبنت كثيرا من كلماتها وحتى من قواعدها النحوية.
نسبة استحالة (تغيّر) اللغة العربية في الجزائر تعادل نظيرتها في جميع أنحاء الوطن العربي. وتُقاس (في علم اللسانيات) بالابتعاد الزمني عن المورد (اللغة الأم) أكثر بكثير مما تقاس بالاحتكاك مع لغة أخرى· ويقول ابن جني: «اعلم أن العرب تختلف أحوالهم في تلقي الواحد منها لغة غيره، فمنهم من يحف ويسرع فيقول ما يسمع، ومنهم من يستعصم فيقيم على لغته البتة، ومنهم من إذا طال تكرار لغة غيره عليه ألصقت به ووجدت في كلامه»[1] وهذا ما حدث في لغة الجزائري من تأثير وتأثر بين العرب والبربر.
وقد شهدت الجزائر في عصور ما قبل التاريخ، عدة غزاة، من، الفينيقيين ووندال، وبيزنطيين، وكان لهذا الأثر على سكان الجزائر، كما شهدت وجود رومان (وخير دليل على ذلك المعالم والآثار الموجودة إلى يومنا هذا، منها تيمقاد - وتعني في الأمازيغية القديمة «المدينة»[2] - وأوراس). وقد استمرت اللهجات البربرية (القبائلية صغرى وكبرى والشاوية والترقية والزناتية والميزابية) جزءًا من شخصية الجزائر ما تزال تحتفظ بألفاظ ودلالات تعود إلى ما قبل الميلاد.
يقول المقدسي الرحالة العربي (توفي 380هـ) عندما نزل بالمغرب في القرن الرابع الهجري: «وفي المغرب الأفريقي عامة لغتهم عربية غير أنها منغلقة مخالفة لما ذكرنا في الأقاليم. ولهم لسان آخر يقارب الرومي»[3] يذكر لنا المقدسي لهجة شمال إفريقيا والأندلس، أّنها لغة منغلقة مخالفة لبقية الأقاليم التي زارها، ونعتها بأنها ركيكة وهي تقارب لسان الروم، ولم يفهم لسان البربر.
وبصم الاستعمار الإسباني في سواحل الغرب الجزائري أثرًا واضحًا في اللهجة الجزائرية، ومن بعده الاستعمار الفرنسي للجزائر. ورغم الصراع والمقاومة لرد سياسة فرنسا في محو الشخصية من تقاليد ودين ولغة إلا أّنه نجح على مدى عدة أجيال في جعل الجزائريين يتعاملون في حياتهم اليومية باللّغة الفرنسية، وذلك لأسباب عديدة، منها:
جُعل التعليم مقتصرا على الفرنسية وحدها طوال مدة الاستعمار
عدم وجود نهضة حديثة كما حدث في المشرق.
فسادت بذلك اللّهجات المحّلية مع الفرنسية كلغة مشتركة وكانت هذه سياسة فرنسا اللّغوية. ولذلك استمت اللّهجة الجزائرية بالدخيل الفرنسي، واستعمال كلمات أجنبية من بقايا الفرنسية التي ما زالت حية في الدارجة. وشملت عملية التأثر اللّغة الفرنسية أيضًا وكثيرا من اللّغات العالمية التي تأثرت بالسامية، فقد قدم « بيار جيرو »[4] قائمة طويلة من كلمات عربية دخلت الفرنسية في عصور مختلفة. مع إقامة الدليل العلمي في المعاجم الفرنسية. كما أن للتجاور المكاني دوره في التبادل الثقافي بين الشعوب المتجاورة، وما يتركه ذلك من آثار في لغاتهم فلا تلبث أن تصبح ظواهر لغوية تميز إقليما تمييزا لغويا عن غيره، وتأخذ دور الاقتراض اللّغوي[5] اّلذي يتجاوز الألفاظ إلى الصيغ والتراكيب. وبهذا وصف سوسير اللّهجة الواحدة بالتميز والتفرد حيث يقول: "ولكل لغة لهجاتها وليس لواحدة منها السيادة على الأخرىات.(وهي في العادة متفرقة مختلفة.
[عدل] المستوى اللّغوي في اللّهجة الجزائرية
إن الظواهر اللّهجية وعلاقته بالفصحى، وبالدخيل الفرنسي أو الإسباني أو التركي وغيره باعتبار أن العامية هي لغة قائمة بذاتها؛ بنظامها الصوتي، والصرفي والتركيبي والدلالي وقدرتها على التعبير.
[عدل] أ - المستوى الصوتي
[عدل] الإبدال
يتجلى الإبدال في الاختلافات التي تبدو من تغير الأصوات، فتختلف بنية الكلمة ومعناها. والإبدال «وهو جعل حرف مكان حرف آخر مع إبقاء سائر أحرف الكلمة» [6]، ويشترط فيه أن يتقارب الصوتان مخرجا أو صفة[7] أي في المخرج أو يتحد في الصفة ماعدا الأطباق (سراط - صراط) وهو ظاهرة تكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بين اللّغات.
الإبدال بين السين والصاد والزاي والصاد، وبين القاف والكاف والجيم غير المعطشة. أما الجيم المعطشة فهي تنطق من وسط اللّسان بينه وبين وسط الحنك[8]. وهناك جيم بين الشدة والرخاوة، والجيم الخالصة الرخاوة وهي المعطشة وكلاهما من وسط الحلق وهي كثيرة الاستعمال لهجة في الفرنسي (J).
إبدال الهمزة ياء، ويسمى في اللّغة بـ«الهمز والهت والضغط والنبر»[9]. وإبدال الهمزة عينا والعين همزة، وهي ما تسمى بالعثعنة؛ عندما تبدل الهمزة عينا: قرآن يقال في عاميتنا "قرعان"؛ آذان - عذان. وحرف العين هو حرف حلقي، متوسط بين الشدة والرخاوة عند سيبويه، وهو صوت حلقي احتكاكي مجهور عند المحدثين[10]. كما تنطق العين الهمزة خاصة في الألقاب تماثلا مع اللّغة الفرنسية.
إبدال الهمزة واوا أو فاء والميمباء، والذال والظاء والضاد دالا: ومثال على ذلك: هذا - هدا، بيض - بيد، ظلمة - دلمة. وقع الإبدال بينهما من الناحية الصوتية؛ فالدال صوت سني انفجاري، والذال تنطق بين الثنايا، وهو احتكاكي مجهور، ويشتركان في الانفجار[10]. كما أن الظاء تخرج من الثنايا وهو حرف إطباق؛ أي تقعر اللّسان إلى أسفل في مقابل الحنك الأعلى فيحدث رنين أو تفخيم[10]، والضاد إطباقي أيضا، وتكاد الذال لا تنطق في عاميتنا مع الظاء والضاد، فكأننا ننطق الدال مفخمة في ضرب وضوء.
إبدال الثاء تاء، والقافهمزة؛ والكاف شينا وتسمى بالشنشنة حيث جعل الكاف شينا أو الهاء شينا، وهنا يتعلق الأمر بالوظيفة النحوية في تركيب جملة النفي وهي كثيرة في اللهجة الخليجية وتستعمل للتفريق بين المذكر والمؤنث فتبدل الكاف شينا؛ كما تقلب الواو ياء أو العكس وهو تعاقب الواو مع الياء وتسمى بالمعاقبة أو الضمة مع الكسرة بالنسبة للصوائت. كما تبدل لام التعريف ميما وتسمى بالطمطانية (أمبارح أي البارحة)، وتبدل الشين سينا.
[عدل] الصوائت الصوامت
أصوات اللغة العربية نوعان، صامتة وصائتة وهي تختلف نطقا وسمعا وهي غالبا ما يصيب التغيير كلا النوعين. أمّا الصامت فتتغير بإحلال صوت محل صوت آخر يشبهه في المخرج، كنطق الذال دالا في لهجتنا، وكثير من اللّهجات العربية. وأما الصوائت فتتغير بتحويل الصائت القصير إلى صائت طويل أو العكس أو إبدال الفتحة بكسرة وهذا يندرج ضمن الإمالة.
الصوائت:
إن نطق الصوائت يقوم على شكل ممر الهواء المفتوح فيما فوق الحنجرة، فالصائت هو صوت مجهور لا يسمع له انفجار أو احتكاك[10]، والصوائت هي الكسر والضم والفتح وهي قصيرة، والواو والياء والألف وهي طويلة وهي أصوات مد ولين أيضا، الكسر والضم؛ كسر حرف المضارعة. وفي المقاطع الممدودة في بعض الأفعال عند التصريف.
[عدل] ب- المستوى الصرفي
الأفعال: في الفعل الثلاثي المجرد: يكتب - يشرب، بالكسر والفتح، وبالضم في الأمر والماضي «رحت» - «روح» هذا بالنسبة للمبني للمعلوم، أما صيغة المبني للمجهول فلا توجد في لهجتنا. في التصريف لا توجد صيغة المثنى، كما أن الضمير "أنتما" يستعمل مع الفعل كالآتي: أنتما كتبوا وليس "أكتبا" للمثنى والجمع المذكر والمؤنث.
[عدل] ج - المستوى النحوي
المتتبع للمستوى النحوي في اللّهجات يجد صعوبة وذلك لوجود اختلافات بينها، ولكّنها اختلافات قليلة وخاصة في بناء الجملة، ولهذا لا يمكن أن نطلق كلمة نحو على هذه اللّهجة أو أخرى، إلا ما ورد من أبواب النحو المعروفة بصورة عامة. إن أغلب ما ورد في اللهجة الجزائرية لا يخرج عن الكون العام للقاعدة النحوية العربية، فليس ثمة خصائص لّلهجة واضحة، ونلمس في تراكيب لهجتنا في غرب الجزائر أّنها تشترك مع معظم مناطق الجزائر، وحتى بعض لهجات العربية.
[عدل] د - المستوى الدلالي
يتصل هذا المستوى بالألفاظ ودلالاتها، وتنوع معانيها من منطقة لأخرى، بل حّتى في المنطقة الواحدة، وقد نشأ عن هذا التنوع المشترك والمتضاد والترادف وعرف ذلك قديما في لغات القبائل، كما تتصف بعض الألفاظ بالانتقال أو المجاز في معناها تخصيصا أو اتساعا. ومن ألفاظ العامية الجزائرية ما نجد أصوله عربية فصحى، أو من الدخيل إسباني أو فرنسي أو تركي، أو غيرها من اللغات. وقد حصرنا بعض من هذه الألفاظ بين أسماء وأفعال وصفات واّلتي شاعت على لسان الجزائري في منطقة الغرب خاصة وقد تكون مشتركة في كل مناطق الجزائر وهناك عدد لا حصر له من الدخيل في لهجتنا إلى درجة أن أهل المشرق يعتبرون لهجتنا فرنسية أكثر منها عربية لشدة ورود هذه الكلمات في تكلمات العامية. فلهجتنا جزء من الفصحى وإن دخلت عليها أصول لهجية ولغوية قديمة أو حديثة، فهي تشكل جانبا جديرا بالنظر والدراسة.
[عدل] تحريفات أخرى في بنية اللهجة الجزائرية
في صيغ الأفعال مثل (دخل، يدخل وخرج، يخرج وسمع، يسمع) وهذا كله بتسكين الحرف الأخير وفتح العين في المضارع بدل ضمها.
حذف نون الرفع في مثل (يدخلون، يخرجون، يأكلون ويشربون) فهم يقولوا يدخلوا يخرجوا ياكلوا.(يشربوا مع فتح الفاء وتسكين العين. وإن كان هذا الاستعمال قد ثبت في كلام العرب[9] تسهيل الهمز وهذا في مثل قولهم (جيت، مومن، بير، قرا...).
في اسم الفاعل: يأتون باسم الفاعل من المعتل على الأصل ودون إبدال ففي باع يقولون بايع بدل بائع وفي سال سايل بدل سائل وفي صام صايم بدل صائم وكلها اشتقا قات صحيحة الأصل. كما نراهم يدخلون عليه نون الوقاية. ومعلوم أن هذه النون تدخل في العربية لتقي الفعل من الكسر نقول: سامحني خاصمني لكنهم يقولون مسامحني، مخاصمني. والسبب كما هو ظاهر أنهم لما سكنوا (اللام) التقى ساكنان ففرقوا بينهم بهذه النون. وقد ذكر ابن هشام[10] أنه يجوز أن تلحق هذه النون اسم الفاعل أيضا تشبيها له بالفعل كما في قول الشاعر: «فما أدري وكل الظن ظني أمسل مني إلى قومي شراحي» أي «شراحيل».
في الأسماء الخمسة: لا تلتزم العامة هنا بقاعدة هذه الأسماء بل تأتي بها مرفوعة في كل الحالات مثل: (مشى خوه، ضربت خوه، كتاب خوه).
في أسماء الإشارة: يبدلون الذال دالا يقولون داك الرجل وقد يلحقون الهاء أيضا هداك الرجل.
في الاسم الموصول: تعوض الأسماء الموصولة (الذي، التي اللذان، اللتان، الذين، اللاتي وغيرها) بلفظ (اللي). وحينما ننظر إلى تركيبة هذا اللفظ نجده يأخذ القسم الأول من تلك الأسماء (ال) بالإضافة إلى الحرف الأخير أحيانا. وقال الكوفيون أن: الألف واللام قد تقام مقام (الذي) لكثرة الاستعمال طلبا للتخفيف قال الفرزدق: ما أنت بالحكم الترضى حكومته ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
[عدل] أمثلة عن المفردات الجزائرية
انقر «وسع» على اليسار.
يهدر : يتكلم (المهذار هو كثير الكلام).[11]
الهدرة : الكلام.
بَركا : توقف (بمعنى لقد حصلت البركة ولا داعي للإضافة).
بزَّاف : كثير (من أصل كلمة بالجزاف وأبدلت الجيم ياءا وكثير من الكلمات الجزائرية كالمسيد ومعناها المسجد).
واش الدعوة : معناه وأي شيء كيف الأحوال.
صحا/صحيتو : شكرا (و هي اختصار لعبارة «الله يعطيك الصحة» أي الدعاء للشخص من أجل شكره).
وجع/سْطَرْ: ألم/وجع.
وينتا/وقتاش/وكتا: في أي وقت.
اللابه/منقبيلات، بكري شوية، قبيلة : منذ قليل.
ضروك، درك، تو : هي اختصار هذا الوقت ومهناها الآن.
وحد الشوية/شوية هكة : بعد قليل.
خطرة : مرة.
واحد الخطرة : ذات يوم.
برك : حصلت البركة فقط.
بصح : لكن (تفيد كلمة بصح معنا كلمة لكن، عند الشرح، وتفيد أيضا كلمة صحيح. ويمكن أن يكون معناها استفهاميا عند قول بصاح «منك بالصح»؟ وتعني «هل هذا صحيح؟»).
وشِنهي/واشِيا/واشِ/واشِتا: وأي شيء هو ماذا.
وين: أين.
هنايا، هنا: هنا.
لهيه: هنالك.
هاذايا: هذا.
هاذاك: ذلك.
هاذي: هذه.
هاذيك: تلك.
هاذو: هؤلاء.
شريكي: صديقي.
حنوني: صديقي الحميم.
هاذوك: أولائك.
صاحبي: صديقي.
ما كالاه: ما كان له داع، أي لا داعي.
اقعد: اجلس.
يزي/اقعد علينا: يزي أصلها يجزي، أي توقف عن فعل هذا.
واش راك لا باس: كيف حالك هل انت بخير (لا بأس)
في لامان، تبقي علي خير: الي اللقاء (في الأمان)
واش بيك: ما بك (و أي شيء بك)
صحْ: صحيح.
صَحا بفتح الحاء مع المد: أهلاً
ما كانش منها: تعبير فيه معني عدم التصديق، أي غير ممكن أو لا اصدق (ما كان شيء منها).
صار\صرا: حدث. مثال نقول واش صرالك بمعني ماذا حدث لك
وليت..صرت
[عدل] مصادر
^ ابن جني: الخصائص، ج 1، تح. محمد علي النجار، دار الكتب، القاهرة، ص 383
^ ص 11، - بوساحة محمد: أصول أقدم اللّغات في أسماء أماكن الجزائر، دار هومة، ج 1
^ ص 2003 - المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ج 7
^ عبد الصابور شاهين: دراسات لغوية، مكتبة شباب، القاهرة 1978، ص 279
^ محمود أحمد نحلة: آفات جديدة في البحث اللّغوي المعاصر، ص 136
^ ابن جني: الخصائص، ج 1، ص 265
^ عبد الغفار حامد هلال: لّلهجات العربية، ص 103
^ سيبويه: الكتاب، ج 4، ص 433
↑ أ ب عبد القادر عبد الجليل: البنية اللّغوية في اللّهجة الباهلية، دار صفاد، الأردن 1997، ص 57
↑ أ ب ت ث ج حلمي خليل: دراسات في اللّسانيات التطبيقية، دار المعرفة الجامعية، 2002، ص 244 حتى 249
^ إبراهيم السمرائي: درس تاريخي في العربية المحلية، عالم الفكر، القاهرة 2000، ص 21- يهدر : يتكلم(المهذار هو كثير الكلام).
[عدل] مراجع
أنطوان صباح: دراسات في اللّغة العربية الفصحى، دار الفكر اللبناني، بيروت 1995، ص 76،
محمود أحمد نحلة: آفاق جديدة في البحث اللّغوي المعاصر، دار المعرفة الجامعية، مصر 2002 ص 125
ابن منظور: لسان العرب، ج 3، بيروت 1956، ص 183
عبد الغفار حامد الهلالي: اللّهجات العربية نشأة وتطورا، دار الفكر العربي، القاهرة 1998، ص 27 و 26
إبراهيم السمرائي: التطور اللّغوي التاريخي، دار الأندلس، ط 3، بيروت 1983، ص 34